تقديم نتائج دراسة بحثية حول الشريط الساحلي لطنجة تطوان
تم، امس الخميس، بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، تقديم نتائج دراسة بحثية حول الشريط الساحلي لطنجة تطوان، أعدها أساتذة وطلبة باحثون يمثلون أربعة مدارس متخصصة في الهندسة المعمارية في إطار مشروع Melimed.
ويمول هذا المشروع برنامج الإتحاد الأوروبي (إيراسموس بلس)، وهو بمثابة شراكة استراتيجية بين أربع مؤسسات متخصصة في الهندسة المعمارية بمنطقة حوض المتوسط وهي المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، والمدرسة الوطنية العليا للهندسة المعمارية في مارسيليا،وكلية لا كامبر هورتا للهندسة المعمارية بجامعة بروكسل الحرة (ULB)، ومعهد أركيتورا الجامعي في البندقية بإيطاليا، ووكالة مدن وأقاليم البحر الأبيض المتوسط المستدامة (AVITEM).
ويهدف الى تطوير الأبحاث والدراسات الميدانية عبر ورشات عمل يمكن أن تمهد الطريق لحلول مبتكرة لمواجهة آثار الإحتباس الحراري في المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط .
وتفيد الدراسة ذاتها بأن الشريط الساحلي لطنجة تطوان يتطور في خطين بين البحر والجبل ويعرف انتشارا عمرانيا كثيفا، كما يطغى على المنطقة انتشار الأنشطة السياحية، والوحدات الصناعية التي تعرف نموا متزايدا في وتيرتها، مع كل ما يمكن أن تطرحه من تحديات على مستوى جودة هذه السواحل وقدرتها على التكيف مع ظاهرة الإحتباس الحراري والتغيرات المناخية.
وترصد الدراسة مجموعة من الملاحظات المرتبطة بالتصميم الحضري والعمراني ،وتوزيع المناطق الخضراء والمساحات الغابوية مع المناطق السكنية والمساحات الأخرى غير المبنية.
وفي اطار هذا التنوع الحضري والطبيعي تطرح إشكاليات مرتبطة بخلق التكامل بين كل هذه العناصر من أجل الحفاظ على بيئة مستدامة لتمكين هذا الشريط الساحلي من توفير القدرة على الصمود ومواجهة التغيرات المناخية.
وانطلق المشرفون على هذا البحث الأكاديمي في دراسة استدامة الساحل، من أربعة محددات رئيسية تتعلق بمسألة المناطق الزراعية ،ثم الساحل وخصوصيته الإيكولوجية،و الأراضي الرطبة، وأخيرا الوديان ومناطق تجمع المياه.
وقدمت الوثيقة مجموعة من المقترحات من اجل مواجهة التغيرات المناخية، تتمثل في ضرورة تنظيم التجمعات السكنية والأماكن العامة،وتعزيز الإستمرارية بين المدن والأراضي الفلاحية والأماكن الطبيعية، وكذا تنزيل المبادرات ذات الأولوية في هذا الإطار.
وتقترح الوثيقة ذاتها أيضا خلق علاقة تكامل وتجدد بين المدينة والفضاء الطبيعي من خلال المناطق المزروعة وتقوية المساحات الخضراء،والتي بإمكانها ان تشكل بديلا حقيقيا من اجل استمرارية الساحل.
وفي سياق متصل، يرى المشرفون على هذه الدراسة انه عند البدء في بناء مشروع حضري يجب التفكير أولا في القاعدة الجغرافية والمناظر الطبيعية وتنظيم هذا الفضاء العمراني عبر الطرق ،على اعتبار ان الأرض هي الركيزة الأساسية لكل المشاريع العمرانية،والجميع معني بتخليق استعمال هذه الأراضي.
وبهذه المناسبة، أكد مدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، وهابي عزيز،أن إشكالية الإحتباس الحراري لا تخص فقط التراب الوطني،بل جميع بلدان البحر الابيض المتوسط، وهي كذلك إشكالية عالمية.
وأضاف ان هذه الإشكالية “تدفعنا للتساؤل حول قدرة الأراضي على تحمل تبعات ظاهرة الاحتباس الحراري ومواجهة التحديات التي أصبحت مطروحة اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
وسجل ان هذا المشروع البحثي يشكل فرصة للتعرف على جميع الإستراتيجيات التي تم تبنيها في المدارس الأخرى وأخد التجربة منها والبحث عن حلول علمية ومستدامة كفيلة بالحفاظ على الساحل.
وخلص السيد وهابي إلى أن هذا المشروع سيمكن كذلك المسؤولين وباقي الفاعلين من اتخاذ قرارات صحيحة من خلال تبني مشاريع صديقة للبيئة في اطار الاستدامة، على اعتبار ان السلطات مدعوة الى الانخراط في هذه الأبحاث.
من جانبه، أشار لوران هودبير، منسق مشروع Melimed أن المشتغلين على هذا المشروع من أساتذة وطلبة قدموا بحوثا تحليلية خاصة بهم حول المنطقة، مكنت في الأخير من تبادل الخبرات والمعارف وتوسيع النقاش.
وسجل انه تم تأطير ورشتين واحدة في الخريف وأخرى في الشتاء، من أجل دراسة التحولات المناخية للمنطقة في كل فصل، مضيفا ان هذه المشاريع البحثية التي تتم في اطار أربع مؤسسات من دول مطلة على البحر الأبيض المتوسط، كفيلة بوضع تصور معين حول أهمية الحفاظ على الساحل وتطويره من اجل مواجهة التغيرات المناخية.
أما أستاذ الهندسة،بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، الشرقاوي حكيم، فأبرز أن اختيار ساحل طنجة تطوان كان بسبب خصوصية المنطقة، والتوسع العمراني والصناعي الذي تعرفه، مؤكدا انها منطقة يمكن ان تعاني من اثار الاحتباس الحراري.
وأشار في مداخلة مماثلة الى أن دراسة مناطق الشمال شكلت تقليدا قديما، لكنها اليوم أخذت بعدا آخر بالنسبة للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية يتمثل في اعتماد مفهوم الشراكة والتمويل من قبل مؤسسات أخرى.
يشار أن مشروع Melimed الذي يمتد على ثلاث سنوات، يقوم بدراسة ثلاث مناطق ساحلية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وهي ساحل طنجة تطوان (2020-2021)، والمنطقة الساحلية لمدينة البندقية الإيطالية(2021-2022)،ثم ساحل مدينة مارسيليا الفرنسية (2022-2023).
وينطلق المشروع من ملاحظتين أساسيتين، الأولى مرتبطة بارتفاع نسبة النمو الديمغرافي في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتزايد عملية الإعمار (حيث زاد عدد سكان دول حوض المتوسط من 105 ملايين نسمة عام 1960 إلى 444 مليون نسمة عام 2017، حوالي 70٪ منهم يعيشون اليوم في المناطق الحضرية)، والثانية متعلقة بآثار الاحتباس الحراري الكبيرة، والظروف المناخية التي لم تواجهها العديد من النظم الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط منذ 10000 عام، سواء من حيث ارتفاع منسوب مياه البحر أو الظواهر المناخية القاسية (الفيضانات أو التصحر).