شوارع طنجة بين فوضى السير والجولان وبلطجة حراس السيارات وغياب الجماعة

لا يبدو أن مدينة طنجة على عتبة الخلاص من معضلات السير والجولان، إذ لا تزال الجماعة تسير على غير هدى في تدبير هذا القطاع الحيوي، الذي أضحى شبيهاً بشبكة عتيقة تتراكم فيها خيوط الفوضى والعشوائية.
ولم يكن تقرير لجنة “الفيفا” إلا مرآة عاكسة لحقيقة يدركها كل من وطئت قدماه شوارع المدينة، حيث المشاهد اليومية وحدها تكفي لإثبات سوء الحال وعُقم التدبير.
إن النقاشات المحتدمة عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي تموج بالأفكار والمقترحات، تُثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن قطاع السير والجولان يتربع على رأس أولويات الساكنة. بيد أن هذا النقاش، على كثافته وتنوعه، يظل في معظمه صدى يتبدد خارج أسوار الجماعة، فلا يكاد يبلغ مسامع أصحاب القرار، وإن بلغ، فإنه لا يُحدث إلا أثراً واهياً كالماء الذي ينزلق على حجر أملس.
وسط هذا المشهد المتردي، تبرز ظاهرة حراس السيارات العشوائيين كجرح غائر في خاصرة المدينة. هؤلاء، الذين يرتدون قمصاناً صفراء أو برتقالية، يعيثون في شوارع طنجة فساداً، وكأنهم يملكون الأرض ومن عليها. أصبح المواطن مُكرهاً على دفع إتاوات لهؤلاء الحراس، الذين لا سند لهم إلا سطوتهم وجرأتهم، فباتت الشوارع أشبه بأسواق نهب مفتوحة، يُجبى فيها المال قسراً تحت تهديد النظرات المتوعدة والكلمات الخشنة.
لقد استُبيحت أرصفة المدينة ومواقفها، وتحولت إلى مساحات يسودها قانون القوة لا قوة القانون. حيث إن ضرر هؤلاء الحراس لا يقتصر على ابتزاز المواطن البسيط فحسب، بل يُسيئون إلى صورة المدينة بأسرها، التي تسعى جاهدة للظهور في حُلّة حضارية. إن استمرار وجودهم بهذه الكثافة يعكس تقاعساً من الجماعة عن أداء دورها في فرض النظام، ويُظهر غياب الإرادة الحقيقية لتطهير الشوارع من هذه الآفة.
أليس من الخزي أن تتحقق مشاريع كبرى تُبنى على أسس الابتكار والتطوير، بينما يظل المواطن أسيراً لهؤلاء الحراس الذين يفرضون وجودهم كأنهم سلطة موازية؟ كيف يمكن لطنجة أن تحيا نهضة حضرية وهي مكبلة بأغلال التخلف والعشوائية التي يمثلها هؤلاء المتطفلون؟
لقد آن الأوان أن تُستأصل هذه الظاهرة من جذورها، وأن تُعاد للشوارع هيبتها، حيث يكون القانون سيداً، لا البلطجة. أما ترك الأمور على حالها، فهو خيانة لأمانة المسؤولية التي حملتها الجماعة، واستهانة بحق المواطن الذي يستحق مدينة منظمة تحترم حقوقه.