السفينة المتحف “آرت إكسبلور”، ملحمة ثقافية تخترق حدود البحر المتوسط لترسو بطنجة
بقلم مهدي نوري – حلت السفينة المتحفية “آرت إكسبلورا” بميناء طنجة المدينة، بعد أن شقت عباب البحر الأبيض المتوسط وتخطت أمواجه، طامحة إلى إلغاء المسافات والحدود الاجتماعية، وتحويل الفن إلى لغة عالمية مشتركة، بمشاهد وعروض فنية، عادة ما يتعذر الوصول إليها، لكنها تضعها في متناول يد سكان المدن التي ترسو بها.
وهكذا تقف السفينة المتحف Art Explora بمثابة قصيدة عائمة، تحرص على دمقرطة الفعل والاستمتاع بالثقافة، مما يزيل الحدود غير المرئية التي غالبا ما تحصر الفن في فئة النخبة، وتحرير الجمال ليمس كل القلوب بدون استثناء.
من عام 2024 إلى عام 2026، ستبحر السفينة المتحف، التي يبلغ طولها 47 مترا وارتفاعها 55 مترا، على سواحل خمسة عشر دولة، مما يوفر ولوجا مجانيا إلى الفن المعاصر والتصوير الفوتوغرافي ومختلف العوالم الفنية الافتراضية.
وفلسفة هذه المبادرة الثقافية النبيلة والخلاقة مستوحاة من تأملات بيير بورديو، فهو يفكك فكرة أن الثقافة مخصصة فقط للأقلية ويحلم بمساحة أرحب حيث يمكن للجميع، مهما كانت خلفيتهم، اكتشاف الجمال والعاطفة والإحساس التي توفرها الأعمال المعروضة.
وتجد الفكرة ضالتها في الموانئ، وهي أماكن نفعية في كثير من الأحيان، والتي تتحول بفضل هذا الفعل الثقافي المتميز إلى قرى ثقافية. وتقدم بذلك السفينة رسالتها الشعرية “هنا نحلم بعدم وجود دموع بعد الآن”، كرمز للحوار بين الثقافات، ودعوة لتجاوز مفهوم الحدود من خلال قوة الفنون.
ومن بين أهم خصوصيات ومميزات Art Explora هو بلا شك إقامة مهرجان ببرنامج متعدد التخصصات، يجمع بين الفنون البصرية والحفلات الموسيقية والعروض الفنية وسائل تقدم الواقع الافتراضي. حتى تصبح كل محطة توقف بمثابة احتفال بالتنوع الثقافي.وتتناول مواضيع مختلفة مثل الهجرة وأساطير البحر الأبيض المتوسط والتعايش بين الشعوب.
ويعد المهرجان أيضا مكانا للتلاقي والمشاركة، فالفنانون المحليون مدعوون للمساهمة في هذه الرحلة الثقافية، وطرح وجهات نظرهم وعرض مواهبهم لإثراء الحوار بين مجتمعات البحر الأبيض المتوسط المختلفة.
من بين العديد من محطات التوقف، أثبتت طنجة نفسها كمحطة توقف أساسية في خط سير الرحلة. وأبرز برونو جوليار، مدير مؤسسة ” آرت إكسبلورا”، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “طنجة فرضت نفسها، وعن جدارة، على مسار المهرجان، نظرا للغنى التراثي والثقافي الذي يتمتع به المغرب، وخاصة مدينة البوغاز “.
وقد مثل توقف السفينة المتحف في محطة المغرب خيارا واضحا، مما يعكس التنوع والعمق الثقافي للبلاد. وفي هذا السياق أشار السيد جوليار إلى أن مدينة طنجة، التي تقع على مفترق الطرق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، تفتن الجميع بتاريخها وأساطيرها على حد سواء.
وأضاف أن “طنجة مدينة تجعل الناس يحلمون، ولا يتعلق الأمر فقط بالمغاربة، بل أيضا بساكنة منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط”، مشددا على أهمية قيام المنظمين بالتقاط صور للمهرجان والسفينة في هذا الموقع الأسطوري من قيمة طنجة، التي يعد توقف السفينة بها تأكيد متجدد على الموقع الاستراتيجي والبالغ الأهمية لهذه المدينة في تراث البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا السياق، أشارت مفوضة المعرض بالمغرب لهذه التظاهرة الدولية، ليلى حيدة، إلى أن البرامج المسطر للتظاهرة الدولية غني ومتعدد التخصصات، يمتد من الفنون البصرية إلى الواقع الافتراضي والحفلات الموسيقية”، مؤكدة أن الموضوع الرئيسي في محطة طنجة هو الأسطورة، القديمة والمعاصرة، وتحولاتها.
وأضافت أن هذه النسخة مستوحاة من المدينة التي تجسد التاريخ والأساطير، وتسعى إلى استكشاف الطريقة التي تواصل بها طنجة خلق واستلهام قصصها الأسطورية.
وسيتم في إطار المهرجان تنظيم زيارات وورشات عمل كل صباح للمدارس والجمعيات، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، وستكون ورشة عمل متعددة التخصصات مفتوحة أمام عموم الناس، مع التركيز بشكل خاص خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى على القضايا البيئية والممارسات الجيدة التي يجب اعتمادها في الحياة اليومية.
وبعد محطة مدينة طنجة، التي تختتم يوم 29 من شتنبر الجاري، يتوجه المهرجان وسفينته المتحفية إلى مدينة الرباط، في الفترة من 11 إلى 17 أكتوبر، قبل الإبحار إلى محطات أخرى تقع في حوض البحر الأبيض المتوسط.