رجال السلطة: تفاني لا يقدر وإقصاء غير مبرر

بقلم: أ. و. رجل سلطة متقاعد.. في قلب المنظومة الإدارية بالمملكة، يشكل رجال السلطة – القياد، الباشوات، ورؤساء الدوائر – دعامة أساسية لنجاح الدولة في تنفيذ القوانين والحفاظ على النظام، والقيام بإدارة الشؤون المحلية. هؤلاء الرجال يجسدون حضورا مباشرا في حياة المواطن، ويتحملون مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار، في إطار شعار “الله، الوطن، الملك”.

ومع ذلك، ورغم التفاني اللامحدود الذي يظهرونه في أداء واجبهم، وجدوا أنفسهم مستبعدين من الزيادات الأخيرة في الأجور التي استفاد منها معظم موظفي الدولة. رجال الأمن، التعليم، الصحة، والقوات المساعدة استفادوا جميعهم، بينما تم تجاهل رجال السلطة، كما لو أن دورهم الحيوي في إدارة الشؤون العامة لا يستحق الاعتراف أو التقدير.

هذه الحقيقة تطرح سؤالاً مهماً: كيف يمكن تبرير إقصاء هذه الفئة من الزيادة، رغم أنها تعد أحد الأعمدة التي تعتمد عليها الدولة لضمان سير العمل على أرض الواقع؟

مهام جسيمة دون مكافأة عادلة

في مختلف أنحاء المملكة، يشكل رجال السلطة عاملاً أساسياً في استقرار البلاد، إلى جانب الأجهزة الموازية الأخرى. في الأزمات، سواء كانت كوارث طبيعية أو أزمة صحية، تجدهم في الصفوف الأمامية لتنفيذ تدابير الاستجابة الفورية. وفي الأوقات العادية، يساهمون في احتواء الاحتجاجات، ويسهرون على تحسين جودة الخدمات العامة للمواطنين.

لكن مسؤولياتهم لا تقتصر على هذه المهام، بل تشمل التواصل اليومي مع المواطنين، حل النزاعات، والتعامل مع الأوضاع الطارئة التي لا تغطيها النصوص القانونية. كل ذلك يتطلب منهم يقظة مستمرة وحضور دائم، ورغم ذلك، يبقى هذا الجهد غير معترف به، حيث تم استبعادهم من الزيادة الأخيرة في الأجور.

إقصاء يستدعي التساؤلات

إذا كانت هذه الفئة تتحمل جميع هذه الأعباء، فلماذا تم إقصاؤها من الزيادة في الأجور؟ في مقابل قطاعات أخرى تتمتع بالحقوق النقابية، لا يملك رجال السلطة حق تأسيس نقاباتهم الخاصة، ولا يمكنهم التعبير علنًا عن مطالبهم أو الإضراب. صمتهم لا يعني الرضا، بل هو التزام بقيم التحفظ والانضباط، مما يجعلهم عرضة للقرارات المجحفة دون أن يكون لهم القدرة على المطالبة بحقوقهم المشروعة.

ظروف عمل غير متناسبة مع المسؤوليات

رغم الحجم الكبير من المهام التي يتحملها رجال السلطة، إلا أن ظروف عملهم لا تعكس أبدًا حجم تضحياتهم:

في العديد من الحالات، لا يتم توفير سكن وظيفي ملائم، بل يُجبرون على استئجار مساكن على نفقتهم الخاصة.
الإمكانيات اللوجستية المحدودة، من سيارات قديمة إلى تخصيصات مالية غير كافية للوقود، تضطرهم لتحمل نفقات إضافية.
الأدوات الاتصالية غير الكافية، حيث لا يُجدد لهم الهواتف الإدارية، مما يجعلهم يعتمدون على وسائلهم الخاصة في أداء مهامهم.
لا يعرف رجال السلطة الدوام الرسمي، بل حياتهم المهنية مرتبطة دائمًا بالواجب، بغض النظر عن الظروف.
إخلاصٌ لا يتزعزع وتقدير غائب

على الرغم من جميع هذه التحديات، يواصل رجال السلطة أداء مهامهم بإخلاص واهتمام، دون أن يطلبوا امتيازات خاصة. إنهم يطالبون فقط بأدنى مستويات التقدير التي توازي حجم تضحياتهم. استبعادهم من الزيادة الأخيرة ليس مجرد مسألة مادية، بل يشير إلى غياب تقدير حقيقي لدورهم الأساسي في جهاز الدولة.

إن الدولة التي تحترم وتقدر رجالها المخلصين تعزز ثقة المواطنين في مؤسساتها، وتضمن استمرارية جهازها الإداري بأعلى درجات الكفاءة. اليوم، فُوتت فرصة لإظهار هذا التقدير، ولكن غدًا، حين تواجه البلاد تحديات جديدة، سيظل رجال السلطة في الصفوف الأمامية، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى من يحميه، سيكونون دائمًا حاضرين تحت شعار “الله، الوطن، الملك”.

زر الذهاب إلى الأعلى