جا يكحلها عماها”.. جماعة طنجة تُقصي جمعيات وازنة من لقاء تشاوري

في طنجة، حيث يتحدث الجميع عن أهمية المقاربة التشاركية والديمقراطية التشاركية، يبدو أن جماعة المدينة اختارت طريقًا آخر في تفعيل هذا المبدأ، أو لنقل إنها اختارت فئة دون أخرى، فتركت وراءها علامات استفهام كبيرة عن الشفافية والتمثيلية والنية الحقيقية وراء هذه اللقاءات “التواصلية”.
الجمعة 18 أبريل 2025، اجتمعت جماعة طنجة بعدد من الجمعيات، فيما وصفه رئيس المجلس الجماعي منير ليموري بلقاء يدخل ضمن دينامية الحوار المؤسساتي مع المجتمع المدني.
كلام جميل، بل مثالي، حين يُقرأ على الورق: حديث عن انفتاح، ومقاربة تشاركية، وإشادة بدور الجمعيات في التنمية، ودعوة للمبادرة وتقديم مشاريع تخدم الساكنة وتنسجم مع برنامج الجماعة.
لكن على أرض الواقع، تتساءل العشرات من الجمعيات النشيطة والفاعلة بمدينة طنجة: من هي هذه الجمعيات التي حضرت اللقاء؟ من دعاها؟ وكيف تم اختيارها؟ فعدد من الجمعيات المعروفة والقديمة في العمل المدني بالمدينة لم تتوصل بأي دعوة، لا عبر البريد الإلكتروني، ولا عبر الهاتف، ولا بأي وسيلة تواصلية أخرى.
كأن هناك خريطة خفية تُرسم في كواليس الجماعة، تُحدد من له الحق في الجلوس إلى طاولة الحوار، ومن يجب أن يظل في الهامش، ولو كانت إنجازاته ومصداقيته تشهد له.
هذا الغياب لم يكن نتيجة خطأ إداري أو خلل تنظيمي، بل يوحي بوجود “انتقائية” في التعامل مع المجتمع المدني. انتقائية تُفرغ مفهوم “الديمقراطية التشاركية” من مضمونه الحقيقي، وتجعله مجرد شعار يُردد في البلاغات والخطب الرسمية. والأدهى أن هذه المقاربة تُعزز الانقسام داخل النسيج الجمعوي، وتُفقد الثقة في المؤسسات التي يُفترض أن تفتح ذراعيها للجميع، لا أن تكرس منطق “القرب السياسي” أو “العلاقات الشخصية” كمعيار للدعوة والمشاركة.
منير الليموري تحدث عن تكافؤ الفرص والشفافية والاستحقاق. كلام لا يختلف حوله اثنان، لكنه لا يجد ما يسنده على أرض الواقع ما دامت المعايير غير معلومة، واللقاء لم يُعلن عنه بشكل علني أو رسمي، ولم تُحدد شروط المشاركة فيه مسبقاً، ما يطرح تساؤلات مشروعة عن الجهة التي اختارت من يُمثل المجتمع المدني في هذا اللقاء، وعلى أي أساس تم ذلك.
إذا كان فعلاً هذا اللقاء هو بداية لمسار تشاوري مفتوح، فإن الخطوة الأولى جاءت عرجاء. فـ”جا يكحلها، عماها” كما يقول المثل المغربي. وكان حريًا بجماعة طنجة، إن أرادت فعلاً إرساء فضاء قار للتشاور العمومي، أن تبدأ بالإعلان عن آلية واضحة، عادلة، وشفافة للدعوة والمشاركة، تحفظ ماء وجه العملية برمتها، وتُجنبها هذا النوع من الانتقادات الذي يُفقدها المصداقية في أول الطريق.
فالديمقراطية التشاركية ليست صورة تُلتقط مع بعض “المقربين”، وليست صك غفران يُمنح للبعض دون غيرهم. بل هي آلية حقيقية تُمكّن المجتمع المدني من أن يكون شريكاً فعلياً، لا مجرد ديكور في مشهد سياسي تواصلي، ينتهي أثره بعد التقاط الصور وتدوين البلاغ.