طنجة.. مشردون بلا لباس في الشوارع وصمت يلف الكرامة الضائعة

في مشهد بات يتكرر بشكل مقلق، تتحول بعض زوايا شوارع طنجة، خصوصًا في الصباح الباكر أو عند مغيب الشمس، إلى فضاءات صادمة، حيث يُلاحظ عدد من الأشخاص في وضعية تشرد، منهم من يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومنهم من يتجول عارياً أو شبه عارٍ، في صورة تختزل معاناة مركبة من الفقر، التهميش، والاضطرابات النفسية، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول موقع هؤلاء في خريطة الاهتمام الرسمي والمجتمعي.

الظاهرة ليست جديدة، لكنها في الآونة الأخيرة أخذت أبعادًا مقلقة، حيث لم يعد الحديث فقط عن أشخاص بلا مأوى، بل عن مشردين فقدوا حتى أدنى شروط الكرامة، يمشون حفاة، أو ينامون في وضعيات مهينة، وأجسادهم مكشوفة للبرد والنظرات والعدسات.

مدينة طنجة، التي تحمل حلم الحداثة والانفتاح وتستقطب الاستثمارات وتطمح إلى أن تكون قطبًا حضريًا متقدما، تجد نفسها عاجزة عن حماية جزء من سكانها غير المرئيين، والذين لا صوت لهم.

السكان يتحدثون بصوت خافت أحيانًا، وغاضب أحيانًا أخرى، عن هذا الواقع الذي لا يمكن التعايش معه بلا مبالاة. فمن غير المقبول في مدينة بحجم طنجة، أن يظل إنسان ما يتجول أو ينام في العراء بدون لباس، في زمن يفيض بالكلام عن التنمية والعدالة الاجتماعية. هؤلاء الأشخاص، الذين أغلبهم يعاني من اختلالات عقلية ونفسية، لا يمثلون فقط فشلاً اجتماعياً، بل يعكسون غياب سياسة وقائية واضحة، وخطط تدخل عاجلة، تحفظ لهم حياتهم وتحفظ للمجتمع صورته الإنسانية.

الأكثر إيلامًا، أن هذه المشاهد تقع أحيانًا بمحاذاة مؤسسات رسمية، أو في أحياء راقية، حيث تبدو المفارقة أكثر قسوة: جدران أنيقة، سيارات فارهة، ومحاذاتها مباشرة مشرد عارٍ لا يملك حتى غطاء يحجب به جسده من البرد والعيون.

في هذا السياق، تتصاعد الدعوات إلى تفعيل التدخلات الاجتماعية المستعجلة، وإعادة النظر في آليات العمل مع فئة المشردين، بتنسيق بين السلطات المحلية، والمصالح الاجتماعية، والمجتمع المدني، خاصة الجمعيات المتخصصة في الإدماج والإيواء والرعاية النفسية.

فطنجة التي تسعى للواجهة الدولية، لا يمكن أن تغض الطرف عن جزء من أبنائها يواجهون الموت البطيء في وضح النهار، لا لشيء سوى لأنهم سقطوا من شبكات الرعاية والاهتمام.
الظاهرة في عمقها ليست مجرد قضية “تشرد”، بل أزمة كرامة وإنسانية، تتطلب حلاً جذرياً، لا مجرد حملة موسمية لطمأنة الرأي العام. فمن لم يجد له مكاناً في مؤسسات الدولة، يجب أن يجد له مكاناً في ضميرها.

زر الذهاب إلى الأعلى