لماذا يتجاهل الليموري انتظارات المقاطعات بتشييد مقراتها الرئيسية، أم أن الكراء وتقطير المنح هي رب نافعة لسياسة العمدة؟

تسود حالة من الاستياء وسط عدد من المنتخبين والفاعلين المحليين بمدينة طنجة، بسبب استمرار تجاهل المجلس الجماعي لمطلب بناء مقرات دائمة ورسمية لمقاطعات المدينة، في الوقت الذي تستمر فيه هذه الأخيرة في العمل داخل مقرات مستأجرة، تفتقر في كثير من الأحيان إلى شروط الاستقبال والخدمة العمومية اللائقة، وهو ما يعتبره البعض عائقًا بنيويًا أمام تحسين أداء الإدارة المحلية وتعزيز القرب من المواطنين.
وبالرغم من الإمكانيات المالية المهمة التي تتوفر عليها جماعة طنجة ومصادقتها مؤخرا على اقتناء المقر الرئيسي لمقاطعة طنجة المدينة، وتواتر الحديث عن فائض مالي في الميزانية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المشروع الحيوي ما يزال غائبًا عن أولويات المجلس، أو على الأقل غير حاضر بنفس الزخم الذي تحظى به ملفات أخرى ذات طابع استعراضي أو غير ذي أولوية قصوى. ويثير هذا الوضع تساؤلات مشروعة حول خلفيات هذا التجاهل، وما إذا كان مجرد تأجيل تقني أم يدخل ضمن حسابات سياسية محضة.
عدد من المتابعين يرون أن عمدة المدينة منير الليموري ينهج ما يشبه سياسة “تقطير المنح” تجاه المقاطعات، حيث يتم صرف الميزانيات وفق إيقاع بطيء لا يتيح لهذه البنيات التدبيرية تحقيق الاستقلال المالي الكافي لتنزيل مشاريع هيكلية، وعلى رأسها تشييد المقرات الرئيسية التي تعكس وزن كل مقاطعة ومكانتها في النسيج الإداري للمدينة.
ويذهب البعض إلى اعتبار استمرار كراء المقرات الحالية، بدل بناء أخرى جديدة، وسيلة “غير معلنة” لإبقاء المقاطعات في موقع التبعية، وربما حتى توجيه الموارد المالية نحو أبواب إنفاق غير ذات أثر استراتيجي، ما دامت الكلفة السنوية لكراء هذه المقرات لا توازي كلفة إنجاز بنايات دائمة على المدى البعيد.
وفي ظل هذا الواقع، تتصاعد الأصوات المنادية بضرورة إنهاء “العبث المالي” المرتبط بكراء بنايات المقاطعات، والذي يُنظر إليه على أنه نزيف مستمر يثقل كاهل الميزانية الجماعية دون جدوى تنموية ملموسة. فبناء مقرات رسمية وملائمة للمقاطعات لا يمثل فقط وفاءً بمتطلبات التدبير الجيد، بل يعكس كذلك احترامًا لكرامة المواطن والموظف الجماعي معًا.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية داخل مجلس المدينة لإعادة ترتيب الأولويات وفق منطق النجاعة والاستثمار الرشيد، أم أن بقاء الوضع على ما هو عليه يخدم مصالح خفية تندرج في إطار حسابات توازنات داخلية، واستمرار تحكم المركز في الهامش، حتى وإن تعلق الأمر بداخل المدينة الواحدة.