اتحاد طنجة بين صراع الشرعية وغموض المستقبل.. من يُحاسب من في زمن تصفية الحسابات؟

يعيش نادي اتحاد طنجة لكرة القدم واحدة من أكثر مراحله توترًا منذ سنوات، ليس بسبب النتائج أو الوضع الرياضي، بل نتيجة صراع داخلي متصاعد بين مكونات النادي، امتدت جذوره منذ شهور وتحوّل تدريجيًا من اختلاف في التسيير إلى معركة نفوذ مكتملة الأركان.
بعيدًا عما يُروّج حول أن الأزمة بدأت مع تقديم شكاية ضد المكتب السابق، فإن جذور الصراع تعود إلى اللحظة التي كان فيها محمد الشرقاوي رئيسًا للجمعية، واصطدم آنذاك برفض رئيس شركة النادي نصر الله الكرطيط التوقيع على عقود عدد من اللاعبين الذين كان يُراد ضمهم لدعم التركيبة البشرية. ذلك الرفض، الذي جاء في مرحلة حساسة، اعتُبر من طرف كثيرين محاولة مباشرة لعرقلة عمل المكتب ودفعه إلى الاستقالة، وفعلاً، هذا ما حصل لاحقًا، ليتم التمهيد لصعود الكرطيط إلى قيادة النادي.
لاحقًا، اتخذت الأمور منحى أكثر حدّة بعد إعفاء ثلاثة من أعضاء مكتب الشركة، في خطوة زادت من تعميق الخلاف، وأظهرت أن هناك إرادة واضحة لإعادة هندسة مراكز القرار داخل النادي، وفق رؤية أحادية تُقصي أطرافًا فاعلة كانت جزءًا من التسيير السابق.
في خضم هذه الأجواء المتوترة، تقدم المكتب الحالي بشكاية إلى الجهات القضائية تتعلق باختلالات مالية مزعومة في فترة التسيير السابقة. لكن ما يثير الانتباه في هذه الخطوة أن الجهة التي تطالب بالافتحاص، أي مكتب الكرطيط، كانت في تلك الفترة مسؤولة بشكل مباشر عن التسيير المالي والإداري للنادي، بحكم العقد الذي كان يربط الجمعية بالشركة. هذا العقد يُحمّل الشركة، التي كان يرأسها نصر الله الكرطيط، مسؤولية توقيع العقود والتصرف في الشؤون المالية، مما يجعل أي اختلال في تلك المرحلة يقع في دائرة مسؤوليته أولًا، لا المكتب السابق وحده. والسؤال الذي يُطرح هنا هو: هل نصر الله الكرطيط يُقدّم شكاية ضد نفسه؟ وإن كان يعتبر أن هناك اختلالات، فلماذا لم يواجهها حين كان في موقع مسؤولية قانونية مباشرة؟
الأزمة بلغت منعطفًا جديدًا حين أصدرت المحكمة حكمًا يُعيد الاعتبار للائحة المنخرطين الذين كانوا قد تقدموا في عهد الشرقاوي وتم إقصاؤهم لاحقًا، وهو ما خلخل التوازن العددي داخل الجمع العام، وخلق وضعية حساسة تهدد استقرار المكتب الحالي. وفي خضم هذا المشهد، خرج الشرقاوي بتدوينة أثارت الجدل، كشف فيها أنه تعرض لمحاولة مقايضة بمبلغ 100 مليون سنتيم مقابل سحب لائحة المنخرطين والتنازل عن الشكاية، وعندما رفض، واجه تهديدًا مباشرًا بتسريع وتيرة الافتحاص المالي وفتح ملفات قضائية في وجهه.
وبمجرد نشر تلك التدوينة، نشطت بعض الخرجات الإعلامية غير البريئة، التي أعادت تسليط الضوء على موضوع “الاختلالات المالية” بطريقة مكثفة ومنسقة، رغم أن الشكاية الأصلية ظلت لأسابيع دون أي متابعة إعلامية. وهو ما فسّره بعض المتابعين على أنه محاولة للضغط على الشرقاوي وتشويه صورته أمام الرأي العام، في إطار صراع لم يعد خافيًا عن أي متتبع.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه المكتب الحالي بهذه المعركة المفتوحة، يعيش الفريق نزيفًا رياضيًا غير مسبوق، حيث تم فسخ عقود مجموعة من اللاعبين الأساسيين، دون تعويض واضح أو تحرك في سوق الانتقالات، بل إن تصريح نائب الرئيس بعدم نية القيام بانتدابات هذا الموسم، زاد من حجم الغموض والقلق، وأعاد طرح التساؤلات حول نوايا التسيير الفعلي داخل النادي، وهل هناك فعلًا خطة واضحة لبناء فريق تنافسي؟ أم أن كل التركيز منصب على تصفية الحسابات بدل البناء الرياضي والمؤسساتي؟
إن ما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن نصر الله الكرطيط ليس وافدًا جديدًا على الفريق، بل كان فاعلًا أساسيًا داخله لأكثر من عقد من الزمن، تنقل خلاله بين منخرط وعضو ورئيس للشركة، ما يجعله شريكًا في صناعة الوضعية التي يعيشها النادي اليوم، وليس مجرد فاعل طارئ أو منقذ خارجي. وبالتالي، فإن تقديم نفسه في صورة من يسعى لـ”الإنقاذ” بينما يتنصل من مسؤوليته السابقة، لا يبدو منطقيًا ولا أخلاقيًا أمام جمهور واعٍ يُتابع كل التفاصيل.
ما يجري اليوم داخل اتحاد طنجة ليس مجرد خلاف حول ملفات محاسبية أو تقنية، بل هو صراع هيمنة على القرار، وعلى مشروعية من يقود النادي، ومن يمتلك الكلمة في مستقبله. وفي هذا السياق، يصبح الفريق هو الخاسر الأول، حيث تُهدَر الطاقة والوقت في معارك جانبية، بدل التركيز على إعادة البناء.
في ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحة لتدخل عقلاء المدينة وكل القوى الغيورة على الفريق، من أجل وضع حد لهذا المسار الانقسامي، واستعادة جو الثقة والشرعية، قبل أن ينهار المشروع بالكامل، وتدفع المدينة ثمن صراعات لا علاقة لها بالرياضة ولا بالمصلحة العامة.
ّ