بعد ثلاثة أشهر من الغموض.. قرار رفع تسعيرة الطاكسيات بطنجة يفجّر الجدل من جديد

منذ بداية الصيف، ظلّ ملف تسعيرة سيارات الأجرة الصغيرة في طنجة موضوعاً ملتهباً يثير نقاشاً بين المهنيين والركاب، قبل أن تكشف السلطات، في أواخر شتنبر، عن قرار رسمي يحدد الحد الأدنى للتعريفة في سبعة دراهم. ما كان يُفترض أن يكون إجراءً تنظيمياً عادياً، تحوّل إلى مصدر تساؤلات عميقة حول منهجية تدبير القرارات العمومية: لماذا تأخر الإعلان ثلاثة أشهر كاملة بعد توقيع القرار؟ وما دلالات اختيار هذا التوقيت بالذات؟
فالقرار العاملي رقم 744، المؤرخ في 30 يونيو 2025، لم يُعلن عنه إلا في الأيام الأخيرة من شتنبر، بعد أن ظلّ طي الكتمان طيلة فصل الصيف. هذا الفراغ الزمني غذّى حالة من الارتباك، حيث تداولت بعض الصفحات المهنية وثائق غير رسمية، فيما وجد المواطنون أنفسهم أمام تسعيرتين مختلفتين دون سند قانوني منشور، الأمر الذي زاد منسوب الغموض وأضعف الثقة في القنوات الرسمية.
أبعاد القرار تتجاوز مجرد الزيادة بدرهمين؛ فهي تكشف عن اختلالات أعمق في طريقة مقاربة ملف النقل الحضري. فالمهنيون يبررون الحاجة إلى التسعيرة الجديدة بارتفاع تكاليف الوقود والصيانة واتساع المدار الحضري، بينما يرى المواطنون أن الزيادة جاءت في ظرف اقتصادي ضاغط يرهق القدرة الشرائية للأسر. وبين المطلبين، يظلّ الغائب الأكبر هو الحوار التشاركي الذي يوازن بين حقوق السائقين ومصالح الركاب.
الإشكال لا يقف عند حدود التعريفة، بل يتعداه إلى المنظومة برمتها. فمنذ صدور القرار المؤطر سنة 2006، لم تُراجع باقي عناصر التسعيرة رغم التحولات الكبيرة التي عرفتها المدينة من حيث الامتداد العمراني وكلفة العيش. وهنا يتضح أن اللجوء إلى تعديلات جزئية متأخرة لا يعالج أصل الإشكال، بل يزيد من حدة الاحتقان.
ويرى متابعون أن جوهر الأزمة يكمن في غياب الشفافية وضعف التواصل المؤسسي. إذ كيف لقرار إداري يخص شريحة واسعة من السكان أن يُحتجز لأشهر قبل أن يُفرج عنه؟ وكيف يمكن لقطاع حيوي كالنقل الحضري أن يُدار بمنطق التسريبات والقرارات المجتزأة بدل الوضوح والإصلاح المندمج؟
في النهاية، ما يثير القلق ليس مضمون القرار وحده، بل طريقة تدبيره وتوقيته. فالتأخر في الإعلان يرسّخ فجوة متزايدة بين الإدارة والمجتمع، ويؤكد الحاجة إلى مقاربة إصلاحية جذرية تعيد الثقة إلى العلاقة بين المواطن والمؤسسات، وتجعل من قطاع النقل الحضري ورشاً للتحديث لا مسرحاً للارتباك والجدل المتكرر.
