بين إنارة تُضيء النهار وسقيٍ خارج موسمه.. فاتورة “أمانديس” تُثقل كاهل جماعة طنجة بـ11 مليار سنتيم في سنة واحدة.. فمن يُدقّق؟ ومن يُحاسب؟

بلغت كلفة استهلاك الماء والكهرباء وخدمات الإنارة العمومية والسقي بمدينة طنجة خلال سنة واحدة فقط نحو 111 مليون درهم، وفق معطيات رسمية أثارت جدلاً واسعًا حول حجم الإنفاق وطريقة تدبير هذا القطاع الحيوي من طرف شركة أمانديس، المفوّض لها تسيير هذه الخدمات.
الرقم ثقيل بطكل المقاييس، ويضع علامات استفهام حول مدى فعالية المراقبة والتدقيق في الفواتير والتكاليف التي تتحملها خزينة المدينة. فبين الإنارة العمومية التي تُترك مضاءة في أوقات غير ضرورية، وشبكات السقي التي تعمل أحيانًا في غير مواسمها، يبدو أن الهدر الطاقي أصبح واقعًا يوميًا لا يخضع لأي مساءلة فعلية.
منذ سنوات، تُدبّر شركة أمانديس هذا القطاع في إطار عقد تفويض مع الجماعة، يُفترض أنه جاء لتحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية، لكن النتيجة اليوم تكشف عن واقع مختلف: ارتفاع النفقات، ضعف الشفافية، وغضّ الطرف عن التدقيق المالي المستقل.
فمن يراجع فعليًا تفاصيل هذه الفواتير؟ ومن يتحقق من أن كل درهم صُرف في محله؟
المجالس المنتخبة، التي يفترض أن تمارس الرقابة باسم المواطنين، تبدو غائبة عن النقاش، أو على الأقل متساهلة في طرح الأسئلة الجوهرية. بينما تستمر أمانديس في إصدار فواتيرها الضخمة، مدعّمة بتقارير تقنية لا تُنشر للرأي العام، وكأن المال العام شأن داخلي لا يحق للمواطن الاطلاع عليه.
الأمر لا يتعلق بمجرد أرقام مالية، بل بثقافة تدبير ومساءلة. فحين تصل كلفة الإنارة والسقي والماء والكهرباء في مدينة واحدة إلى 111 مليون درهم في سنة، يصبح التدقيق ضرورة وليس خيارًا. فالعقد بين الجماعة والشركة المفوّضة يجب أن يكون عقد أداء ونتائج، لا مجرد ترخيص دائم بلا مراجعة.
الحقيقة أن طنجة، مثل غيرها من المدن المغربية التي تعاني من غلاء الفواتير، تحتاج إلى مراجعة شاملة لعقود التدبير المفوّض، وإلى آلية رقابة مستقلة تعيد التوازن بين الخدمة العمومية والحق في المحاسبة. فالمواطن يدفع، لكن لا أحد يشرح له أين تذهب أمواله بالضبط.
