منير الليموري.. العمدة المظلوم

يستحق العمدة منير الليموري فعلاً أن يُلقّب بـ“العمدة المظلوم”، ليس لأنه يُعاني من قسوة المعارضة، بل لأن العالم كلّه لم يفهم عبقريته بعد. فبينما يصرّ الجميع على ربط الجوائز بالإنجازات، استطاع هو أن يبرهن أن الجائزة يمكن أن تُمنح أيضًا على حسن النية، وعلى جمال الوعد قبل وقوع الفعل. أسبوع واحد فقط مرّ على مصادقة مجلس جماعة طنجة على مشروع “الميزانية التشاركية”، مشروع لم يخرج بعد من الورق، حتى كانت الجماعة تتلقى جائزة دولية كبرى عنه، وكأنها شاركت في سباق قبل أن تسمع صافرة الانطلاق.

ولأن العمدة رجلُ رؤى لا رجلُ أوراش، فقد كان طبيعيًا أن يُكافَأ على النية قبل العمل، وعلى التخطيط قبل التنفيذ، وعلى السفر قبل الوصول. فالجائزة التي تسلّمها منير الليموري في مدينة فيتوريا الإسبانية، بحضور الملك فيليبي السادس، لم تكن مجرد تكريم إداري، بل كانت – من وجهة نظر أنصاره – اعترافًا أمميًا بقدرته على تحويل الأحلام إلى واقع… ولو بعد حين طويل جداً.

لكن المدهش في القصة أن الصورة التي نشرتها الجماعة الرسمية للحظة التكريم، تُظهر الملك الإسباني مع الفائزين، دون أن يكون العمدة بينهم، مما جعل بعض الساخرين يعتقدون أنه هو من التقط الصورة بنفسه. والحقيقة أن هذا لا يُنقص من شأنه إطلاقًا، بل يُؤكد أنه يُشارك حتى من خلف الكاميرا، لأنه يؤمن بالمشاركة من جميع الزوايا، حتى البعيدة منها.

أما المواطنون الذين يعيشون على أرض طنجة، فهم يعرفون – أكثر من غيرهم – أن من اختاروا العمدة للجائزة يعرفونه جيدًا. يعرفون المدينة التي تُكرَّم على “الحكامة المنفتحة” بينما النوافذ فيها لا تُفتح إلا بصعوبة، ويعرفون أنها تُكافأ على “إشراك المواطنين” في وقت لم يُشرك أحد في شيء سوى في الانتظار، ويعرفون أنها تُشاد بـ“الشفافية” رغم أن بعض الملفات أكثر غموضًا من ضباب الميناء في ديسمبر. يعرفون ذلك، ومع ذلك يبتسمون، لأنهم يدركون أن طنجة بلد المفارقات الجميلة، حيث يمكن أن تعيش أزمة وتُمنح جائزة في الوقت نفسه.

فهل هي طنجة التي تغيّرت، أم نحن الذين لم نعد نفهم لغة الإنجاز الجديد؟ ربما أخطأنا حين ظننا أن المشاريع تُقاس بالأشغال والمعدات، بينما تُقاس الآن بعدد الدعوات والسفرات. وربما كنا قساة حين تساءلنا عن حال النظافة والإنارة والخدمات، لأننا لم ندرك أن العمل الحقيقي للعمدة يجري في “المؤتمرات الدولية” لا في الأزقة المحلية. فكلّ رحلة هي “ورشة”، وكل صورة هي “منجز”، وكل جائزة هي “خطة تنموية في حد ذاتها”.

منير الليموري لم يفشل، كما يعتقد البعض، بل سبق زمنه، وسبق حتى مشاريعه. فبينما تنام المدن الأخرى في رتابة تقاريرها ومجالسها، هو يسافر بالمدينة إلى المنصات الدولية لتنال الجوائز قبل أن تبدأ، ويُثبت أن الحكامة ليست في الميدان، بل في العناوين، وأن التسيير ليس في التدبير، بل في فن التسويق البلاغي.

ولأن طنجة تعرفه جيدًا، فقد سامحته. سامحته على الزحام والظلام والنفايات، لأنها – ببساطة – مدينة متحضرة تفهم أن القائد العظيم لا يُقاس بعدد المصابيح التي تُضاء، بل بعدد الشهادات التي تُعلَّق على الحائط. ولهذا، حين يقولون إن طنجة فازت بجائزة، فالمقصود في الحقيقة أن طنجة نجحت في إثبات قدرتها على تحويل السخرية إلى فنٍّ راقٍ.

فيا سيادة العمدة المظلوم، لا تعبأ بما يقال عنك. فالعالم منحك الجائزة لأنهم يعرفونك جيدًا، يعرفون أنك لا تضيّع وقتك في “الأعمال الصغيرة” مثل الإنارة والنظافة والنقل، بل في المهام الكبرى مثل التقاط الصور في اللحظة المناسبة، حتى وإن لم تكن فيها.

إنك عمدة استثنائي… تعمل في الظل، وتُكرَّم في الضوء، وتبقى – رغم كل شيء – رمزًا لمرحلةٍ أدركت فيها طنجة أن الضحك أحيانًا أصدق من الخطط، وأن الجائزة ليست بالإنجاز، بل بمن يملك الجرأة على التباهي بها.

زر الذهاب إلى الأعلى