مقاطعات طنجة.. غياب اللمسة في تدبير الأحياء وتوصيات الحسابات تفتح النقاش حول منح بالملايين

رغم أن المقاطعات بمدينة طنجة تُمنح سنويًا ميزانيات بملايين الدراهم، إلا أن واقع الأحياء التي تدخل ضمن نفوذها الترابي لا يعكس أثرًا واضحًا لهذه الإمكانيات المالية. تقارير المجلس الأعلى للحسابات سلطت الضوء، من جديد، على محدودية أداء هذه المؤسسات المحلية، مشيرة إلى اختلالات بنيوية وهيكلية تعرقل قيامها بدورها التنموي والاجتماعي.

ضعف القدرات الإدارية والمالية

أحد المحاور البارزة في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات هو ضعف القدرات الإدارية والمالية لمقاطعات طنجة، مما يحد من فعاليتها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. المقاطعات تُمنح ميزانيات ضخمة، لكن غياب الكفاءة التدبيرية والاستقلال المالي يفرغ هذه الميزانيات من مضمونها، ويجعلها غير قادرة على إحداث التغيير المنشود في المرافق الحضرية والاجتماعية.

تجهيزات القرب.. خارج نطاق المقاطعات

على الرغم من أن القانون التنظيمي للجماعات يمنح للمقاطعات صلاحيات واضحة في تدبير تجهيزات القرب (مثل القاعات الرياضية، المراكز الثقافية، الحدائق…)، فإن التقرير أشار إلى أن تدبير هذه المرافق يتم غالبًا من طرف المجلس الجماعي مباشرة، أو تُمنح لجهات أخرى دون إشراك فعلي للمقاطعات، مما يقلل من حضورها وتأثيرها في المجال الترابي الذي يفترض أن تسهر على تطويره.

غياب الرؤية الاستراتيجية

أحد الإشكالات العميقة التي رصدها قضاة المجلس الأعلى للحسابات هو غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى المقاطعات في تدبير شؤونها، حيث لا يتم التخطيط بناءً على دراسات وحاجيات الساكنة، بل يتم تدبير الموارد والمشاريع بشكل عشوائي أو موسمي، غالبًا بتأثير من الحسابات السياسية أكثر من المصلحة العامة.

ضعف التنسيق والتواصل مع الجماعة

كما رصد التقرير ضعف التنسيق بين المجالس المقاطعية والمجلس الجماعي، حيث لا يتم تفعيل آليات التنسيق المنصوص عليها قانونيًا مثل ندوة رؤساء المقاطعات، والتقارير الدورية، مما يؤثر على انسجام العمل المحلي ويخلق نوعًا من “الشلل المؤسساتي” في تدبير الملفات المشتركة.

موظفون دون مهام واضحة

إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى اختلالات في توزيع الموارد البشرية، حيث لا يخضع توزيع الموظفين بين الجماعة والمقاطعات لمعايير دقيقة، مما يؤدي إلى وجود فائض أو خصاص غير مبرر في عدد من المقاطعات، دون ربط فعلي بين حاجيات المرافق والموارد البشرية المتاحة.

ملايين في الميزانية… وأحياء مهمشة

هذه الاختلالات تفتح نقاشًا واسعًا حول الجدوى من المنح السنوية التي تُخصص للمقاطعات بملايين الدراهم، ما دامت الأحياء التابعة لها لا تشهد تحسنًا ملموسًا في البنية التحتية، ولا في خدمات القرب. فالعديد من المناطق ما تزال تعاني من التهميش، وغياب الصيانة، وضعف الإنارة العمومية، ناهيك عن غياب برامج ثقافية أو اجتماعية جادة تستهدف فئات الشباب والنساء.

توصيات لم تجد طريقها إلى التنفيذ

المجلس الأعلى للحسابات، ومنذ سنوات، أصدر عدة توصيات بخصوص تعزيز دور المقاطعات، منها ضرورة تقوية استقلاليتها المالية، وتفعيل آليات التنسيق مع الجماعة، وتدبير تجهيزات القرب بشكل مباشر، غير أن أغلب هذه التوصيات لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ، مما يطرح تساؤلات حول الجدية في معالجة هذه الإشكالات البنيوية.

زر الذهاب إلى الأعلى