هل ما تزال مقاطعات طنجة فاعلة؟ حين يتحول العمدة إلى مركز الثقل الوحيد

منذ سنوات خلت، كانت مقاطعات مدينة طنجة – بني مكادة، مغوغة، طنجة المدينة، والسواني – تلعب أدوارًا محورية في تسيير الشأن المحلي، باعتبارها مستويات ترابية قريبة من هموم المواطنين اليومية، ولها مجال واسع من التدخل في ما يتعلق بالبنية التحتية المحلية، النظافة، الثقافة، والرياضة.
غير أن التحولات الأخيرة في طريقة تدبير الجماعة، وعلى رأسها تركيز السلطات التقريرية والتنفيذية بيد رئيس جماعة طنجة، باتت تطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى استمرار هذه المقاطعات في صيغتها الحالية.
فمن خلال تتبع الأداء الميداني، بات من الواضح أن المقاطعات فقدت الكثير من حيويتها، وتحولت في كثير من الأحيان إلى هياكل إدارية شكلية، تنتظر “الإذن” من الجماعة الأم حتى تباشر أبسط القرارات. ولم يعد رؤساء المقاطعات يمارسون سلطاتهم باستقلالية نسبية كما في السابق، بل باتوا في موقع شبه تابع للعمدة، الذي بات يتحكم، فعليًا، في مفاتيح التدبير الإداري والمادي.
يبدو أن هذه الوضعية ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة منطقية لاختلالات في تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي 113.14، الذي أعطى لرئيس الجماعة سلطة تنفيذية موسعة، في حين بقيت اختصاصات رؤساء المقاطعات محدودة وضبابية، مما فتح المجال لصراعات صامتة بين المنتخبين، وأحيانًا علنية، حول من له الأسبقية في تنفيذ المشاريع المحلية أو التحدث باسم الساكنة.
من حيث المبدأ، يفترض أن تكون المقاطعات واجهة للتفاعل المباشر مع المواطنين، وآلية لتقريب الخدمات وتوزيعها بشكل منصف بين أحياء المدينة، لكن الواقع اليوم يشي بغير ذلك. فالمقاطعات تعاني من ضعف في الإمكانيات، غموض في المهام، وتضييق في مجالات المبادرة، ما جعلها رهينة لمزاج العمدة وتوازنات المجلس الجماعي.
النتيجة؟ خلل واضح في التنسيق، تأخر في تنفيذ مشاريع محلية، ومواطنون لا يعرفون الجهة التي يُفترض أن يخاطبوها: هل هو رئيس المقاطعة الذي يُفترض أن يكون الأقرب إليهم؟ أم العمدة الذي يحتكر القرار والميزانية؟
في هذا السياق، يبدو أن مستقبل المقاطعات في مدينة طنجة يحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة جريئة، فإما أن تُفعل أدوارها وتُمنح الاستقلالية اللازمة، وإما أن يُصار إلى إعادة هيكلتها ضمن نموذج أكثر فاعلية. أما استمرارها في وضعها الحالي، فهو مجرد تكرار بيروقراطي لا يخدم لا المواطن ولا المدينة.
