من هم شباب “GenZ212” وبماذا يطالبون؟

شهد العالم في السنوات الأخيرة بروز جيل “زد” كقوة احتجاجية جديدة تعبر الحدود وتفرض حضورها بوسائل مختلفة عن الأجيال السابقة. في نيبال مثلًا، خرج آلاف الشبان في شتنبر 2025 إلى الشوارع رفضًا للفساد والمحسوبية ولحظر وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكنوا في ظرف وجيز من إسقاط حكومة قائمة.

وفي دول أخرى، من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، رفعت الفئة نفسها شعارات متقاربة تدعو إلى الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، متكئة على فضاء رقمي جعلها أكثر قدرة على التنظيم وأقل خضوعًا للهياكل التقليدية.

من هذه الموجة العالمية وُلدت في المغرب حركة “GenZ212″، حيث يرمز الرقم إلى الرمز الدولي للمملكة، في إشارة صريحة إلى هوية وطنية لا تنفصل عن سياق عالمي. انطلقت شرارتها في منتصف شتنبر 2025 عبر منصات تيليغرام وإكس وDiscord، لتتحول في أيام قليلة إلى دعوات عملية للتظاهر يومي 27 و28 من الشهر ذاته في 11 مدينة مغربية.

وقد اختار الشباب منذ البداية أن يرفضوا أي وصاية حزبية أو زعامة تقليدية، مفضلين أسلوب التنظيم الأفقي الذي يمنحهم استقلالية ويجعلهم أكثر حصانة أمام محاولات الاستغلال السياسي.

في طنجة، المدينة التي طالما كانت بوابة للتأثيرات القادمة من الشمال ومركزًا للحركات المجتمعية، لبّى العشرات الدعوة وحاولوا التجمع في ساحة الأمم. شعاراتهم لم تكن مؤدلجة ولا متناقضة، بل ركزت على مطالب بسيطة وواضحة: صحة تحفظ الكرامة، تعليم يفتح أبواب المستقبل، وعدالة تضمن المساواة أمام القانون. في ذلك التعبير يكمن وعي وطني حقيقي؛ إذ لم يرفعوا شعارات عابرة للحدود بقدر ما عبروا عن هموم يومية يعيشها المواطن المغربي البسيط، من نقص الأطباء إلى غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة.

ما يميز “GenZ212” أنها لا تطلب المستحيل. أولوياتها محددة: مستشفى مجهز قبل ملعب جديد، كتاب مدرسي قبل مهرجان، وظيفة كريمة قبل منصة ترفيهية. وهو ما يجعل من الحراك تعبيرًا عن وعي جماعي ناشئ يعيد ترتيب الأولويات، ويطالب بدولة تضع الإنسان في صدارة اهتماماتها. بهذا المعنى، فإن ما بدأ من طنجة وأخواتها لم يكن سوى مرآة لمزاج عام يتشكل بصمت ويعلن اليوم عن نفسه.

ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: لماذا لم تُبادر الدولة والأحزاب السياسية إلى فتح نقاش جاد مع هؤلاء الشباب؟ كيف يمكن لبلاد تراهن على المستقبل أن تغض الطرف عن أصوات تمثل نحو ثلث سكانها؟ إن الحوار مع هذا الجيل ليس خيارًا ثانويًا، بل ضرورة لتجنب فجوة عميقة بين المؤسسات ومجتمع يتغير بسرعة.

ولعل ما يضاعف هذا السؤال أن أصواتًا من مثقفين وإعلاميين وخبراء حذّرت بالفعل من خطورة الاكتفاء بالمنع والاعتقالات. هؤلاء أجمعوا على أن المستقبل لا يُبنى بالقمع، بل بالإنصات، وأن تحويل مطالب “GenZ212” إلى طاقة اقتراحية سيكون ربحًا للجميع. فجيل اليوم، رغم صغر سنه، لا يطلب إلا ما هو أساسي: تعليم وصحة وعدالة، وهو ما يجعل من الحوار معه واجبًا وطنيًا قبل أن يكون خيارًا سياسيًا.

زر الذهاب إلى الأعلى