العربي المحرشي: المنتخب المخضرم الذي يعرف كل شيء إلا مشاكل وزان

خلال الدورة العادية لمجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة المنعقدة أمس، وبينما كانت أنظار المنتخبين متجهة نحو قضايا حيوية تتعلق بمشاكل التزود بالماء والكهرباء، والنهوض بالتنمية المحلية، واختلالات البنية التحتية، اختار النائب البرلماني عن إقليم وزان وعضو الجهة، العربي المحرشي، أن يُوجّه مداخلته لمهاجمة الصحافة، واصفاً بعض الأقلام بـ”المرتزقة”، في انحراف واضح عن أولويات النقاش العمومي.

وإذا كان اللجوء إلى هذا الخطاب المتشنج يعكس، في أحد أوجهه، ضيق أفقٍ تجاه الدور المهني للإعلام، فإن ما يثير الاستغراب فعلاً هو تجاهل ممثل وزان للواقع الصعب الذي تعيشه ساكنة الإقليم، والذي يستحق أن يكون في صدارة مرافعاته داخل مجلس الجهة.

فهل يجهل السيد المحرشي أن وزان، رغم احتضانها لعدد من السدود والمركّبات المائية، تعيش أزمة عطش حقيقية تُثقل كاهل الساكنة، خصوصاً في العالم القروي؟
وهل يدرك أن مئات الدواوير ما زالت تعاني من غياب الكهرباء، وتهالك الطرق، وندرة الخدمات الصحية، وانتشار الهشاشة والفقر؟
أليس من واجب مَن حظي بأصوات الناخبين أن يُعبّر عن هذه المآسي في مثل هذه المناسبات، بدل تبديد الوقت في قضايا جانبية لا تهم المواطن في شيء؟

المثير أيضاً أن هذا الانزياح في الخطاب لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام. فالمعروف أن المحرشي يُقيم في مدينة طنجة، ويُتابع عن قرب التطورات التي يعيشها حزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي ظلّ من رموزه لسنوات، والذي يعرف اليوم انقسامات وتجاذبات داخلية حادة، خاصة بعد التغييرات التي عرفها مكتبه السياسي.

وهنا يحق لنا أن نتساءل:
هل كان هذا الهجوم على الصحافة تعبيراً عن موقف شخصي؟ أم محاولة لتصدير أزمة حزبية داخلية إلى الرأي العام؟
هل أراد النائب المحترم أن يُغطي على ارتباك حزبه أو تراجعه داخل المشهد السياسي، عبر خلق عدو وهمي يُحمّله مسؤولية كل شيء؟

إذا كان داخل الحزب من يعيش أزمة موقع أو انكفاء تنظيمي، فذلك شأن داخلي، ولا يُفترض أن ينعكس على أداء المنتخبين داخل المؤسسات، أو يُستعمل كذريعة للتهرب من المسؤولية الحقيقية.

الأدهى من ذلك، أن المحرشي جلس في قاعة واحدة مع ممثلين عن أقاليم أخرى، رأيناهم يتحدثون بإلحاح عن معاناة ساكنتهم مع الماء، والكهرباء، والبنية التحتية، وجلب الاستثمارات، والدفاع عن المشاريع التنموية.
فما شعوره وهو يراهم يدافعون عن أقاليمهم بجرأة، بينما هو يُضيّع فرصة أخرى للدفاع عن وزان، التي انتُخب لتمثيلها؟

إن ساكنة وزان لا تنتظر من ممثليها رفع الشعارات أو الانخراط في معارك وهمية، بل تحتاج من يدافع عنها، ويُطالب بحقوقها، ويضع ملفها التنموي فوق كل اعتبار.

فالمجالس ليست منابر لتصفية الحسابات، بل فضاءات لخدمة المواطن والثقة التي منحتها الساكنة، ليست أبدية، بل مشروطة بالوفاء، والعمل، والجدية.

زر الذهاب إلى الأعلى