“الرخص الحمّامية” وملف العزل المجمد.. الحمامي خارج دائرة المحاسبة

رغم الزخم التنموي والتحولات السياسية المتسارعة التي تعرفها مدينة طنجة، لا تزال ملفات قديمة تُثير الجدل، في مقدمتها ملف رئيس مقاطعة بني مكادة والنائب البرلماني عن دائرة طنجة أصيلة، محمد الحمامي، الذي يواجه اتهامات متعددة، أخطرها تلك المتعلقة بتزوير وثائق رسمية واستعمال أختام غير قانونية تخص مؤسسة تعليمية خاصة تعود له شخصيًا.
تعود وقائع هذه القضية إلى سنة 2014، حين شرع المعني بالأمر في إجراءات الحصول على ترخيص لمؤسسة تعليمية داخل النفوذ الترابي لمقاطعة يرأسها، معتمداً على وثائق يُشتبه في تزويرها. التحقيقات التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أفضت إلى إحالة الملف على أنظار النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بطنجة، بعد توصل وزارة التربية الوطنية بوثائق أظهرت وجود اختلالات واضحة، من بينها استعمال أختام غير قانونية ضمن ملف الترخيص.
وتفاعلت ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة حينها مع هذه المستجدات بشكل حازم، حيث تقدّمت بشكاية رسمية موثقة بتقارير إدارية تؤكد وقوع تدليس في المساطر. وفي تطور لافت، بادر الوالي السابق بنفسه إلى مباشرة مسطرة العزل في حق الحمامي، في خطوة نادرة تعكس الجدية التي أُعطيت لهذا الملف آنذاك، قبل أن تُجمد المسطرة بشكل مفاجئ عقب مغادرة الوالي لمنصبه، دون صدور توضيحات رسمية حول مصير الإجراء الإداري.
وقد أعاد هذا التوقف المفاجئ إثارة أسئلة عميقة حول خلفيات إغلاق الملف، ومدى استقلالية القرار الإداري، خاصة حين يتعلق الأمر بمنتخبين يملكون نفوذًا سياسياً وشعبياً واسعاً. وتزداد المخاوف من تكرار سيناريوهات مشابهة لملفات سابقة طُويت دون محاسبة، ما يعمّق شعوراً عاماً بفقدان الثقة في آليات المساءلة.
وفي موازاة الملف القضائي، يُواجه الحمامي انتقادات واسعة بسبب ما يُعرف محليًا بـ”الرخص الحمّامية” وهي التراخيص التي منحها خلال فترات سابقة بشكل منفرد، خارج الإطار التشاركي لمجلس المقاطعة، ودون احترام صارم للمساطر القانونية المعتمدة في مجال التعمير. وتشير شهادات لفاعلين محليين إلى أن هذه الرخص ساهمت بشكل مباشر في تفشي البناء العشوائي داخل بني مكادة، وتحويل المقاطعة إلى أحد أكبر بؤر العمران غير المنظم بالمدينة.
وتؤكد مصادر محلية أن العديد من هذه الرخص مُنحت في مناطق غير مهيأة أو في مواقع مخالفة لوثائق التهيئة الحضرية، وهو ما أدى إلى تشويه النسيج العمراني، وخلق أحياء تفتقر لأبسط شروط السلامة والتجهيز، ما زاد من تعقيد التدبير الجماعي والخدمات الأساسية للمواطنين.
وقد عزز هذه الاتهامات تصريح علني لرئيس المجلس الإقليمي، الذي أكد امتلاكه شهودًا على ما وصفه بـ”عمليات بيع وشراء الرخص” داخل المقاطعة، في إشارة واضحة إلى وجود شبهات فساد تمس عملية الترخيص في مجال التعمير.
وأمام كل هذه المعطيات، يتابع الرأي العام المحلي تطورات الملف بكثير من الترقب والحذر، متسائلًا: هل سيُفتح هذا الملف مجددًا في إطار ربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة، أم أنه سيلتحق بلائحة ملفات تم طيّها بصمت، تاركة وراءها إحباطاً عاماً وشعوراً متزايداً بالإفلات من العقاب؟
