أولياء الله الصالحون…

أولياء الله الصالحون هم أهل الحكمة والسكينة، لا يظلمون أحدًا، ولا يرفعون صوتهم على الحق، ولا يتخذون قراراتهم تحت وطأة الغضب أو ضغط الوشاية. هم قوم عرفوا الله فخشوه، وأنصفوا الناس فاحترمهم الجميع.
من صفاتهم أنهم إذا سمعوا قولًا، لم يبنوا عليه حكمًا حتى يتبيّنوا، وإذا غضبوا، لم يُهينوا، وإذا خاصموا، لم يظلموا. لا يقصون عبدًا لأنه قريب من خصم قديم، ولا يضيّقون على الناس في أرزاقهم دون وجه حق.
ولا يمكن للولي الصالح أن يجعل من صانع أحذية، أو غيره ممن ليس له علم ولا تقوى، مستشارًا في شؤون الناس ومصالحهم، فالولي يستشعر أهمية الحُكم الشرعي والعلمي، فلا يستشير إلا أهل العلم والتقوى والاختصاص، لأن الأمر يحتاج حكمة ونظرًا عميقًا، لا مجرد رأي أو هواية.
الوليّ الصالح لا يُقَرِّبُ المتملقين، ولا يصغي للواشين، ولا يفتح أبوابه لمن يمدحه في العلن ويغدر بالناس في السرّ. لا يحكم على النوايا، ولا يجعل الشبهات دليلاً، ولا يعاقب أحدًا لأنه جلس في مجلس لا يُرضي الهوى.
ومن صفاتهم أنهم إذا منحهم الله سلطة أو مكانة، خشوا حِسابها أكثر من فرحهم بها، وخافوا من تضييع الأمانة لا من زوال المسؤولية. لا ينسون أن الكرسي لا يدوم، وأن من الناس من يُصفّق اليوم ويُشيح وجهه غدًا، وأن الكلمة الجارحة لا تُنسى وإن غلفت بلغة السلطة.
سيدي عبد السلام بن مشيش، إمام الصالحين في المغرب، كان مثالًا على هذا الخلق. زهد في الدنيا، واعتزل فتنتها، وعاش على الكفاف من عمل يده. لم يكن له جُند، ولا بوّاب، ولا سلطة دنيوية، لكن الناس أحبّوه وبقي اسمه عاليًا لصفاء قلبه وعدله وتقواه.
كان يعلم أن من ظَلم عبدًا، حُجبت عنه الولاية، ولو صام وصلّى. وأن من استصغر الناس، أوقعه الله في مهانة لا يخرج منها بسهولة.
أما من يتسرّع في الأحكام، ويقصي الناس على الظن، ويجعل من كل نقد خيانة، ومن كل خلاف عداوة، فهو ليس من صفات الأولياء في شيء، ولو حمل كل ألقابهم.
الوليّ لله، إذا نُصح شَكر، وإذا خُولف لم يَتكبّر، وإذا خاصمه الناس لم يُقصِهم. لا يبني مواقفه على العداء، ولا يزرع الخوف بين الناس ليُحكم السيطرة. بل يزرع الطمأنينة، ويوزع العدل، ويخشى الله في كل خطوة.
من صفات أولياء الله أنهم لا يحاربون الناس في أرزاقهم. لا يقطعون رزق موظف لأنه صادق، ولا يُبعدون عاملًا لأنه لم يُجامل، ولا يحرمون عبدًا من حقه لأنه لم يصفّق مع الجمهور.
الولاية الحقيقية لا تُقاس بعَدد المصفقين، ولا بمكانة المنصب، بل تُقاس بصفاء القلب وعدل اليد ونقاء النية.
فمن رأى في نفسه صفة من هذه الصفات فليحمد الله، وليزد في الخير. ومن وجد في نفسه عكسها فليُراجع قلبه قبل أن يُراجع نوايا الناس.
