ستة وعشرون عامًا من القيادة والبناء.. المغرب كما يشهد له العالم

تحل الذكرى السادسة والعشرون لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين، وقد أضحى المغرب، باعتراف أصدقائه وخصومه على السواء، نموذجًا ملهمًا في التنمية والاستقرار، وتجربة فريدة في التحديث المتزن. لم تكن هذه السنوات مجرد مرور زمني، بل كانت مسارًا صاعدًا من الإنجاز الراسخ، والرؤية الحكيمة، والعمل الميداني المتواصل.
منذ اللحظة الأولى لتولي جلالته عرش المملكة، اتّضح أن المغرب على موعد مع تحول تاريخي، تتأسس فيه تنمية متوازنة على أرضية صلبة من الإصلاحات البنيوية، في السياسة والاقتصاد والمجتمع. لم تكن المقاربة الملكية خطابية أو ظرفية، بل مشروعًا متكاملًا، تتقاطع فيه الحداثة مع الأصالة، والابتكار مع الاستقرار، والطموح التنموي مع الإنصاف الاجتماعي.
لقد تمكّن المغرب، خلال هذه المرحلة، من إنجاز أوراش كبرى شملت مختلف جهات المملكة، في مقدمتها البنية التحتية المتقدمة، والمشاريع المهيكلة في مجالات الموانئ، والنقل، والطاقة المتجددة، والصناعة، والتعليم، والتغطية الصحية، والتنمية البشرية. ومما يمنح هذه الإنجازات بعدًا إضافيًا هو ما تحظى به من إشادة واسعة من مختلف دول العالم ومنظمات دولية مرموقة، لما تمثله من تجربة ناضجة وواقعية في ربط التنمية بالحكامة، والاستثمار بالاستقرار.
نائب رئيس جمهورية السلفادور وصف المسار المغربي بـ”الملهم”، مؤكدًا أن المملكة أضحت قوة إقليمية صاعدة وشريكًا موثوقًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. فيما أشاد عضو الكونغرس الأمريكي، جو ويلسون، بنموذج المغرب في الإصلاح والتسامح والانفتاح، مسلطًا الضوء على التقدم الذي أحرزته المملكة في مجالات حقوق المرأة، والتنمية المستدامة، وتعزيز الحريات.
وفي أوروبا، تحدث السيناتور البلجيكي فرانسيس ديلبيري عن المغرب باعتباره “واحة سلام” وسط عالم مضطرب، مشيدًا بالنجاحات التي حققتها المملكة في مجال الدبلوماسية والسياسات العمومية، كما نوه رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسيه لويس ثاباتيرو بـ”التحولات العميقة” التي شهدها المغرب خلال العقدين الأخيرين، معتبرًا أنه أضحى نموذجًا في التحديث المؤسساتي والاجتماعي.
ولم تكن هذه الشهادات مجرد تصريحات دبلوماسية، بل تعبيرًا عن إدراك عالمي متزايد لتحول المغرب إلى قوة استقرار حقيقية، وفاعل موثوق به في قضايا المنطقة والقارة. ففي ظل تقلبات جيوسياسية وأزمات دولية متلاحقة، حافظت المملكة، بقيادة جلالة الملك، على توازنها، بل واستثمرت في تعزيز قدراتها الذاتية، فباتت ضمن الدول القليلة التي جمعت بين مقاومة الأزمات وتثبيت المكاسب.
ولعل ما يميز هذا المسار المغربي هو الجمع الذكي بين العمق الاجتماعي للمشاريع، وبعدها الاستراتيجي. فقد حرص جلالة الملك، في مختلف المبادرات التنموية، على أن تكون التنمية شاملة وغير انتقائية، تنطلق من الإنسان وتعود بالنفع عليه، في الصحة والسكن والتعليم والدخل. من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى تعميم التغطية الصحية، إلى تطوير التعليم والتكوين المهني، إلى الدعم المباشر للفئات الهشة، ظل الإنسان المغربي في قلب كل قرار.
أما في ملف الوحدة الترابية، فقد عرفت القضية الوطنية الأولى تطورات مفصلية، بفضل الحضور المباشر والرؤية المتبصرة لجلالة الملك، التي استطاعت أن تنقل الملف من منطق التدبير الدفاعي إلى منطق المبادرة السيادية. فقد بات مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يحظى بدعم صريح من أكثر من 120 دولة، من بينها قوى كبرى كالولايات المتحدة، إسبانيا، فرنسا والمملكة المتحدة، في تأكيد دولي واضح على مصداقية الخيار المغربي.
كما واصل المغرب، ضمن رؤية ملكية إفريقية واضحة، تعزيز حضوره في القارة من موقع الشريك لا الوصي، والمستثمر لا المتبرع، من خلال مشاريع استراتيجية كأنبوب الغاز مع نيجيريا، ومبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومسلسل التعاون بين الدول الإفريقية الأطلسية، فضلًا عن الاتفاقيات المهيكلة التي تربطه بعشرات الدول الإفريقية في قطاعات الطاقة، الفلاحة، التعليم، والصحة.
في ميدان الرياضة، أظهر المغرب، بفضل الرؤية الملكية، قدرة تنظيمية واحترافية متميزة، توجت باختياره لاحتضان كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. وهو إنجاز لم يكن ليتحقق لولا تراكمات البنيات التحتية، والنجاحات المتواصلة في المحافل الدولية، والمكانة التي باتت تحتلها المملكة في دوائر القرار الرياضي العالمي.
هكذا، فإن الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد لا تُجسد فقط لحظة احتفاء ووفاء، بل تمثل فرصة تأمل في مسار تنموي فريد، يجمع بين الرؤية والطموح، بين الواقعية والطموح، بين الاستباق والتأني. إن ما تحقق طيلة هذه السنوات يُعدّ حصادًا لرؤية ملكية ناضجة، وضعت المغرب في مصاف الدول الصاعدة، وأعادت له موقعه التاريخي، وأمدته بإشعاع قاري ودولي يتوسع يومًا بعد آخر.
وإذا كانت الأرقام والمؤشرات تُعطي صورة دقيقة عن المنجزات، فإن الثقة الدولية المتزايدة في المغرب، والتي تعبّر عنها مواقف العواصم الكبرى، وشهادات كبار القادة والخبراء، تبقى أبلغ دليل على أن المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يسير بثبات نحو المستقبل، ويُراكم منجزات تُعزّز كرامة المواطن، وترفع من مكانة الوطن، وتُبشّر بعقود قادمة من الطمأنينة والعزة والازدهار.
