صيف طنجة بين الغلاء والاختناق والظواهر المشينة.. هل كان الأسوأ في ذاكرة سكانها وزوارها؟

ونحن على أبواب نهاية الصيف، يكاد يجزم المتتبع أن طنجة عاشت هذا العام أسوأ صيف في تاريخها القريب. صيفٌ كان يُفترض أن يكون مناسبةً لإبراز صورة “عروس الشمال” في أبهى حُلّة، لكنه تحول إلى موسم مثقل بالخيبات، فوضى الأسعار، وانعدام النظام، وغياب حضور فعلي للمسؤولين الذين تركوا المدينة في مواجهة مصيرها، بينما اختار عمدة المدينة أن يقضي إجازته في منتجعات إسبانيا، بعيدًا عن ضوضاء مدينته ومشاكلها المتفاقمة.
كل من مر بالكورنيش أو وسط المدينة لاحظ كيف تحولت الواجهة البحرية، التي يُفترض أن تكون بطاقة التعريف الأولى بطنجة، إلى فوضى عارمة: أنشطة عشوائية، كراء دراجات يزاحم المارة، ألعاب أطفال بلا تنظيم، باعة متجولون يطاردون السياح، متسولون ومشرّدون يملؤون الفضاء العام في مشهد محزن. كيف يمكن لمدينة تُسوّق نفسها كوجهة سياحية كبرى أن تقدم هذه الصورة المهترئة لزوارها؟
الأسعار بدورها شكّلت صدمة حقيقية، إذ لم يعد الأمر مجرد “غلاء موسمي” بل انفلات كامل. شقق متواضعة وصل سعرها إلى 2000 و3000 درهم لليلة واحدة، مطاعم ومقاهٍ تضاعف الفواتير بلا رقيب، وخدمات بسيطة تُقدَّم وكأنها امتياز نادر. غياب الشرطة الإدارية كان صارخًا، فالمواطنون والسياح تُركوا تحت رحمة جشع بلا حدود.
أما على الطرقات، فحدّث ولا حرج. ازدحام خانق في كل المفاصل الحيوية، ساعات ضائعة في تنقلات قصيرة، سيارات أجرة ترفض وجهات مكتظة مثل الكورنيش، وحافلات مهترئة، غير مكيفة، قليلة العدد، ولا تغطي حتى نصف الأحياء. مدينة بهذا الحجم وبهذا الزخم السياحي كان يفترض أن تمتلك خطة ذكية لتنظيم التنقل، لكنها تركت الأمر للارتجال والفوضى.
ظاهرة التسول اكتسحت كل النقاط الرئيسية. من شارع محمد الخامس إلى السوق الداخل، ومن ساحة الأمم إلى محيط المطاعم العالمية، لا يخلو ممر من أفواج المتسولين، بل وصل الأمر إلى استغلال الأطفال في هذا المشهد المؤلم. مشاهد كهذه تُسيء للمدينة ولصورتها أمام السياح، وتطرح سؤالًا عريضًا عن دور السلطات في مواجهة الظواهر الاجتماعية التي تنفجر كل صيف.
أما بيئياً، فقد برزت قضية شاطئ طنجة البلدي الذي يُعتبر المتنفس الأقرب والأكثر جذباً للزوار والسكان على حد سواء. فبينما ظل هذا الشاطئ نقطة رئيسية للتجمع خلال فصل الصيف، لفه الغموض طيلة الموسم بسبب غياب أي بلاغ رسمي يحدد بوضوح ما إذا كان صالحاً للسباحة أم لا. ترك الناس في مواجهة بحر مجهول الوضعية، رغم كثافة الإقبال عليه، يُعد استخفافاً بحقوقهم في المعلومة والطمأنينة، ويكشف خللاً في أبسط واجبات التواصل مع المواطنين والزوار.
وإلى جانب ذلك، برز هذا الصيف معطى آخر يزيد من قبح المشهد: غياب الإنارة العمومية اللائقة في عدد من الأزقة المتفرعة عن الكورنيش والشوارع الرئيسية. فبينما تتحول المدينة ليلاً إلى قبلة للزوار، تبقى طرق ثانوية مظلمة أو ضعيفة الإنارة، في صورة بائسة لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لحلها، بل إلى حد أدنى من الجدية والمتابعة. غياب الإنارة ليس فقط خطأً جمالياً، بل مؤشر على إهمال تفاصيل صغيرة تصنع انطباعاً كبيراً لدى الزائر.
الأمن الليلي بدوره لم يكن مطمئنًا. مع امتلاء الشوارع حتى الفجر، تزايدت السرقات والتحرشات والنشل، بينما كان المطلوب حضوراً وقائياً بسيطاً يعيد الطمأنينة للسكان والزوار.
كل هذا يحدث فيما عمدة طنجة يختار الهروب إلى الضفة الأخرى. مشهد مثير للسخرية: المدينة تختنق في أصعب امتحاناتها، ورأسها المدبر يقرر الاستجمام في منتجع إسباني، ثم يعود على عجل بعد عاصفة من الانتقادات الشعبية والإعلامية. أي رسالة أبشع يمكن أن تُوجَّه للناس من هذا التصرف؟
اليوم، طنجة تودّع صيفاً سيبقى في ذاكرة سكانها وزوارها كوصمة عار. موسم أظهر هشاشة التدبير، عرّى فشل المراقبة، وأثبت أن المدينة لا تزال تُدار بمنطق الارتجال ورد الفعل. والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين تسير طنجة إذا بقيت رهينة الغياب والفوضى؟
لقد كان بالإمكان أن يُكتب لهذا الصيف سيناريو مختلف: أسعار منطقية تحت مراقبة حقيقية، كورنيش منظم، نقل عمومي فعّال، نظافة وفضاءات مؤهلة، إنارة تليق بمدينة كبرى، حضور مسؤول يبعث على الثقة، وبلاغ واضح يحدد وضعية شاطئ طنجة البلدي. لكنها جميعاً فُقدت، فخسر الناس صيفهم، وخسرت طنجة صورتها. صيف 2025 لن يُذكر كفترة انتعاش سياحي، بل كدرس صارخ في سوء التدبير، وصوت عالٍ يسأل: متى ستستيقظ المدينة من سباتها الطويل؟
