طنجة والمقاهي الموسمية: عندما تتحول الخدمة إلى مزاج موسمي

مع كل صيف جديد، تشهد مدينة طنجة انتعاشًا سياحيًا يُبهج الساكنة والتجار على حد سواء، ولكن في خضم هذا الحراك الاقتصادي، تبرز سلوكيات سلبية في بعض المقاهي بالمدينة، تسيء إلى سمعة القطاع وتزعج الزبائن الدائمين الذين لطالما شكلوا الدعامة الأساسية لهذه الفضاءات طيلة فصول السنة.
من أبرز الظواهر التي باتت تتكرر كلما حل موسم الصيف، تغيّر سلوك بعض النُّدُل بشكل ملحوظ تجاه الزبائن المعتادين. فبمجرد أن تبدأ طاولات المقاهي ،خصوصا تلك المتواجدة بكرنيش المدينة، بالامتلاء بالزوار الموسميين والسياح الأجانب “كخلية نحل”، تنقلب الأولويات، وتُصبح النظرات حائرة، والابتسامات مصطنعة، والخدمة انتقائية. الزبون الدائم، الذي دأب على الجلوس في زاويته المعتادة وتبادل التحية الودية مع طاقم المقهى، يُهمّش فجأة، ويجد نفسه في مرتبة ثانوية، لا لشيء سوى لأن“بقشيشه مضمون” وطمعاً في بقشيش العابرين.
هذا التمييز غير المبرر لا يقتصر على التجاهل فقط، بل يتعداه إلى اللامبالاة الصريحة، حيث يُترك الزبائن المعتادون ينتظرون لفترات طويلة قبل أن تؤخذ طلباتهم، وإن حدث، فغالبًا ما تُنفذ دون اهتمام، مما يدفع بالبعض إلى الاحتجاج والدخول في مشادات مع النُّدُل، في مشاهد مؤسفة كان يمكن تجنبها بسهولة.
المؤلم في الأمر أن بعض هؤلاء الزبائن ممن يعانون من أمراض مزمنة كالسكري، وتجاهل طلباتهم أو تأخيرها بشكل غير معقول، يتسبب لهم في انخفاض حاد في نسبة السكر، ويُدخلهم في نوبات غضب أو إغماء، ليتحول مقهى من المُفترض أن يكون فضاءً للراحة والاستجمام إلى مصدر للضغط والتوتر والفوضى.
هذه السلوكيات، إن دلت على شيء، فإنما تدل على غياب ثقافة المهنة، وانعدام التكوين المستمر في قواعد التواصل واحترام الزبون، بغض النظر عن جنسيته أو نوعيته أو “كرمه” في البقشيش. فمن المؤسف أن يربط بعض العاملين في هذا القطاع جودة الخدمة بما سيجنونه من مكافآت عشوائية، عوض أن يربطوها بأخلاق المهنة ومبدأ المساواة في التعامل.
إن طنجة، بما لها من مكانة سياحية وتاريخية، تستحق مقاهي ترقى إلى مستوى تطلعات ساكنتها وزوارها على حد سواء، وتحترم جميع الزبائن، صيفًا وشتاء، دائمين وموسميين، سائحين ومواطنين. ومتى غابت هذه الروح، فلن يكون للضيافة أي معنى، ولو طُليت الواجهات بأفخم الديكورات.